للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه، كما قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)[الجن]. وقوله: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾.

قال عبد الرزاق: عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ قال: لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملًا صالحًا (١). وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد (٢)، وقال مثله ابن جريج (٣)، وفيه نظر لأن عمل رسول الله كان ديمة (٤)، وفي رواية: كان إذا عمل عملًا أثبته (٥)، فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى الله ﷿ في جميع أحواله، اللّهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك، والله أعلم. والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ أي: من المال (٦).

وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ ولا يصيبني الفقر (٧).

وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ولوقت الغلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص (٨).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ قبل أن يكون واتقيته (٩).

ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير، أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)[مريم].

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)﴾.

ينبّه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم . وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبد الرزاق به.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف ويشهد له سابقه.
(٤) أخرجه البخاري بسنده عن عائشة كان عمله ديمة (الصحيح، الصوم، باب هل يخص شيئًا من الأيام؟ ح ١٩٨٧)، وأخرجه مسلم (الصحيح، باب فضيلة العمل الدائم … ح ٧٨٣).
(٥) أخرجه أبو داود بسنده عن عائشة (السنن، الصلاة، باب ما يؤمر من القصد في الصلاة ح ١٣٦٨)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٢١٩).
(٦) (٧) أخرجهما ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق الضحاك به، وهو لم يلق ابن عباس.
(٨) ذكره الطبري بنحوه.
(٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن.