للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى حديث هشيم، قال: ففيما عهد إليَّ ربي ﷿ أن ذلك إذا كان كذلك، فإن الساعة كالحامل المتمم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادتها ليلًا أو نهارًا (١).

ورواه ابن ماجه عن بندار عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب بسنده نحوه، فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين، وإنما ردّوا الأمر إلى عيسى ، فتكلم على أشراطها لأنه ينزل في آخر هذه الأمة منفذًا لأحكام رسول الله ويقتل المسيح الدجال، ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه، فأخبر بما أعلمه الله تعالى به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد بن إياد بن لَقيط، قال: سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال: سئل رسول الله عن الساعة، فقال: "علمها عند ربي ﷿ لا يجلّيها لوقتها إلا هو، ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها، إن بين يديها فتنة وهرجًا" قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج؟ قال: "بلسان الحبشة القتل" قال: "ويلقى بين الناس التناكر، فلا يكاد أحد يعرف أحدًا" (٢) لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.

وقال وكيع: حدثنا ابن أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان رسول الله لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ الآية، ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به (٣)، وهذا إسناد جيد قوي.

فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والعاقب والمقفِّي والحاشر الذي تحشر الناس على قدميه، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد : "بعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها (٤)، ومع هذا كله قد أمره الله أن يردّ علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، فقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)﴾.

أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا


(١) تقدم تخريجه وتحسينه في تفسير سورة النساء آية ١٥٩ ضمن ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء. وقد ضعفه محققو المسند ٦/ ٢٠ (ح ٣٥٥٦)، لأنهم جعلوا مؤثر بن عفازة مجهولًا، وقد ردّ على مثل هذه المقالة الإمام الحاكم كما فُصِّل هناك.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٨/ ٣٣٥ ح ٢٣٣٠٦)، وصحح سنده محققوه لغيره بالشواهد لأن إياد بن لَقيط لم يسمع حذيفة.
(٣) أخرجه الطبري من طريق وكيع به، وأخرجه النسائي من طريق عيسى بن يونس عن ابن أبي خالد به (السنن الكبرى ح ١١٦٤٥)، وله شاهد أخرجه الحاكم من حديث عائشة وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥١٣)، ولهذا قال عنه الحافظ ابن كثير: إسناد جيد قوي.
(٤) حديث أنس أخرجه البخاري، الصحيح، الرقاق، باب قول النبي : بعثت أنا والساعة كهاتين (ح ٦٥٠٤)، ومسلم، الصحيح، الفتن، باب قرب الساعة (ح ٢٩٥١)، وحديث سهل أخرجه البخاري، الصحيح الباب السابق (ح ٦٥٠٣)، ومسلم، الصحيح، الباب السابق (ح ٢٩٥٠).