للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (١١٣) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤)﴾.

يخبر تعالى عما تشارط عليه فرعون والسحرة الذين استدعاهم لمعارضة موسى إن غلبوا موسى ليثيبنّهم وليعطينّهم عطاء جزيلًا، فوعدهم ومنّاهم أن يعطيهم ما أرادوا ويجعلهم من جلسائه والمقربين عنده فلما توثّقوا من فرعون لعنه الله.

﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)﴾.

هذه مبارزة من السحرة لموسى في قولهم: ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ أي: قبلك كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [طه: ٦٥] فقال لهم موسى : ألقوا أي أنتم أولًا، قيل الحكمة في هذا والله أعلم ليرى الناس صنيعهم ويتأملوا، فإذا فرغوا من بهرجهم ومحالهم جاءهم الحق الواضح الجلي بعد التطلب له والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس وكذا كان ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ أي: خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوا له حقيقة في الخارج ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)[طه].

قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: ألقوا حبالًا غلاظًا وخشبًا طوالًا، قال فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (١).

وقال محمد بن إسحاق: صفّ خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه، وخرج موسى معه أخوه يتكئ على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف أهل مملكته ثم قال السحرة: ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)[طه] فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعدُ. ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من الحبال والعصي، فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا (٢).

وقال السدي: كانوا بضعة وثلاثين ألف رجل وليس رجل منهم إلا ومعه حبل وعصا ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ يقول: فَرَّقوهم (٣)؛ أي: من الفرق.

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن عيينة به.
(٢) أخرجه الطبري من طريق سلمة عن ابن إسحاق.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.