للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عصا حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (١). ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾.

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)﴾.

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى في ذلك الموقف العظيم الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ﴾ أي: تأكل ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل.

قال ابن عباس: فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا شيء من السماء ليس هذا بسحر، فخروا سجَّدًا وقالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ (٢).

وقال محمد بن إسحاق: جعلت تتبع تلك الحبال والعصي واحدة واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ووقع السحرة سجدًا قالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون لو كان هذا ساحرًا ما غلبنا (٣).

وقال القاسم بن أبي بزة: أوحى الله إليه أن ألق عصاك فألقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغر فاه يبتلع حبالهم وعصيهم، فألقي السحرة عند ذلك سجدًا، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما (٤).

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (١٢٦)﴾.

يخبر تعالى عما توعد به فرعون لعنه الله السحرة لما آمنوا بموسى وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾ أي: إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضًا منكم لذلك كقوله في الآية الأخرى: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٧٠] وهو يعلم وكل من له لبّ أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإن موسى بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى الله وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ممن اختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على ذلك وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون. وموسى لا يعرف أحدًا منهم ولا رآه ولا


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وكل هذه الروايات من أهل الكتاب.
(٢) أخرجه الطبري بالإسناد المتقدم عن سفيان بن عيينة إلى ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري من طريق سلمة عن ابن إسحاق.
(٤) أخرجه الطبري بالسند الحسن السابق عن القاسم بن أبي بزة.