للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من المخالفة للحق ولهذا أقسموا وقالوا: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ فلهذا عقبه بقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨)﴾ أخبر تعالى هنا أنهم أخذتهم الرجفة، وذلك كما أرجفوا شعيبًا وأصحابه وتوعدهم بالجلاء كما أخبر عنهم في سورة هود فقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤)[هود] والمناسبة في ذلك - والله أعلم - أنهم لما تهكموا به في قوله: ﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] فجاءت الصيحة فأسكتتهم، وقال تعالى إخبارًا عنهم في سورة الشعراء: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩)[الشعراء] وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ الآية [الشعراء: ١٨٧].

فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله ﴿أصابهم عذاب يوم الظلة﴾ وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح وفاضت النفوس وخمدت الأجسام ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ أي: كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها ثم قال تعالى مقابلًا لقيلهم ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾.

﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣)﴾.

أي: فتولى عنهم شعيب بعد ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال مقرّعًا لهم وموبخًا: ﴿يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ أي: قد أديت إليكم ما أرسلت به فلا آسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به فلهذا قال: ﴿فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾؟

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء، يعني بالبأساء ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم.

وتقدير الكلام أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئًا من الذي أراد منهم، فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ أي: حوّلنا الحالة من شدّة إلى رخاء ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية ومن فقر إلى غنى ليشكروا على ذلك فما فعلوا.