للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال السدي وغيره: كانوا عشَّارين (١).

وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ أي: تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه (٢).

والأول أظهر لأنه قال: ﴿بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ وهو الطريق، وهذا الثاني هو قوله: ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أي: وتودون أن تكون سبيل الله عوجًا مائلة ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ أي: كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزّة لكثرة عددكم فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي: من الأمم الخالية والقرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله.

وقوله: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ أي: قد اختلفتم علي ﴿فَاصْبِرُوا﴾ أي: انتظروا ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا﴾ وبينكم أي يفصل ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ فإنه سيجعل العاقبة للمتقين، والدمار على الكافرين.

﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩)﴾.

هذا إخبار من الله تعالى عمّا واجهت به الكفار نبيه شعيبًا ومن معه من المؤمنين في توعدهم إياه ومن معه بالنفي عن القرية أو الإكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيما هم فيه، وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملّة.

وقوله: ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ يقول: أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادًا وهذا تعبير منه عن اتباعهم ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا﴾ وهذا ردّ إلى المشيئة فإنه يعلم كل شيء وقد أحاط بكل شيء علمًا ﴿عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾ أي: في أمورنا ما نأتي منها وما نذر ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ أي: احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا.

﴿وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (٩٢)﴾.

يخبر تعالى عن شدّة كفرهم وتمردهم وعتوهم وما هم فيه من الضلال وما جُبلت عليه قلوبهم


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي نحوه.
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ: بكل سبيل حق.