للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشافعي والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (١).

وقال آخرون: هو كالزاني فإن كان محصنًا رُجم، وإن لم يكن محصنًا جُلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي، وأما إتيان النساء في الأدبار فهو اللوطية الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولًا شاذًا لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة (٢).

﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)﴾.

قال محمد بن إسحاق: هم من سلالة مدين بن إبراهيم وشعيب وهو: ابن ميكيل بن يشجر قال: واسمه بالسريانية: يثرون.

(قلت): مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهي التي بقرب معان (٣) من طريق الحجاز قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره إن شاء الله وبه الثقة.

﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ هذه دعوة الرسل كلهم قد جاءتكم بينة من ربكم، أي قد أقام الله الحجج والبينات على صدق ما جئتكم به، ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم، أي لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان وتدليسًا كما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)[المطففين] وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد نسأل الله العافية منه، ثم قال تعالى إخبارًا عن شعيب الذي يقال له خطيب الأنبياء لفصاحة عبارته وجزالة موعظته.

﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٧)﴾.

ينهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسّي والمعنوي بقوله: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ أي: تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم.


(١) المسند ١/ ٣٠٠، وسنن أبي داود، الحدود، باب فيمن عمل قوم لوط (ح ٤٤٦٢)، وسنن الترمذي، الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي (ح ١٤٥٦)، وسنن ابن ماجه، الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط (ح ٢٥٦١)، وقال الألباني حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٣٧٤٥)، وأخرجه الحاكم من طريق عمرو بن أبي عمرو به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٣٥٥).
(٢) في آية ٢٢٣.
(٣) مدينة تقع في جنوب الأردن.