للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي السيرة أنه قال لهم: "بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم" (١).

[وهكذا] (٢) صالح قال لقومه: ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ أي: فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحًا، ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ وقد ذكر بعض المفسرين: أن كلّ نبي هلكت أُمته كان يذهب فيقيم في الحرم حرم مكة، والله أعلم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مرّ رسول الله بوادي عسفان حين حجّ قال: "يا أبا بكر أي وادٍ هذا؟ " قال: هذا وادي عسفان، قال: "لقد مرّ به هود وصالح على بكرات خطمهن (٣) الليف أزرهم العباء وأرديتهم النِّمار (٤)، يُلبّون يَحجُّون البيت (٥) العتيق".

هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد منهم.

﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَ﴾ لقد أرسدنا ﴿وَلُوطًا﴾ أو تقديره ﴿وَ﴾ اذكر ﴿لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ ولوط هو ابن هاران بن آزر وهو: ابن أخي إبراهيم الخليل ، وكان قد آمن مع إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله ﷿ ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله.

قال عمرو بن دينار في قوله: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ قال: ما نزا ذكرُ على ذكرٍ حتى كان قوم لوط (٦).

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق: لولا أن الله ﷿ قصّ علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا، ولهذا قال لهم لوط : ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠)

﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ أي: عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال، وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١] فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٧٩)


(١) أخرجه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم. (سيرة ابن هشام ١/ ٦٣٩ وفتح الباري ٧/ ٣٠٢) وسنده ضعيف.
(٢) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "وهذا".
(٣) بكرات جمع بكرة: الفتيّة من الإبل، والخُطُم: جمع خطام.
(٤) النِّمار: جمع نَمِرة الشملة المخططة، كأنها أخذت من لون النمر.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٤٩٥ ح ٢٠٦٦)، وضعفه محققوه لضعف زمعة.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار.