للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناقة حين صدرت من الماء، وقد كَمُن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرّت على مصدع فرماها بسهم، فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أُم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجهًا فسفرت عن وجهها لقدار، وذمّرته وشدّ على الناقة بالسيف فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلًا منيعًا فصعد أعلى صخرة فيه ورغا (١). فروى عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن البصري أنه قال: يا رب أين أُمي؟ ويقال إنه رغا ثلاث مرات (٢) وإنه دخل في صخرة فغاب فيها، ويقال بل اتبعوه فعقروه مع أُمه فالله أعلم.

فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحًا ، فجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى وقال ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ الآية [هود: ٦٥].

وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء، فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح وقالوا: إن كان صادقًا عجلناه قبلنا وان كان كاذبًا ألحقناه بناقته ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾ الآية [النمل]، فلما عزموا على ذلك وتواطؤوا عليه وجاؤوا من الليل ليفتكوا بنبي الله، فأرسل الله وله العزة ولرسوله عليهم حجارة فرضختهم سلفًا وتعجيلًا قبل قومهم، وأصبح ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح ، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذًا بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف ياتيهم العذاب؟ وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾) أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير لا ذكر ولا أنثى، قالوا: إلا جارية كانت مقعدة واسمها: كلبة ابنة السلق، ويقال لها: الزريقة، وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح ، فلما رأت ما رأت من العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء فأتت حيًا من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حلَّ بقومها ثم استسقتهم من الماء، فلما شربت ماتت (٣).

قال علماء التفسير: ولم يبق من ذرية ثمود أحد سوى صالح ومن تبعه ، إلا أن رجلًا يقال له: أبو رُغال كان لما وقعت النقمة بقومه مقيمًا إذ ذاك في الحرم فلم يصبه شيء فلما خرج في بعض الأيام إلى الحلّ جاءه حَجر من السماء فقتله.

وقد تقدم في أول القصة حديث جابر بن عبد الله في ذلك وذكروا أن أبا رُغال هذا هو والد


(١) أخرجه الطبري بالإسناد المتقدم عن ابن إسحاق. وهي من روايات أهل الكتاب.
(٢) أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق به وأطول، وأخرجه عبد الرزاق به، والرواية من أخبار أهل الكتاب.
(٣) أخرجه الطبري بنحوه من طريق ابن إسحاق. والرواية كسابقتها.