للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عزيز ثمود كلهمُ جميعًا … فهمّ بأن يُجيب فلو أجابا

لأصبح صالح فينا عزيزًا … وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا

ولكن الغواة من آل حُجر … تولوا بعد رُشْدهم ذئابا

وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يومًا وتدعه لهم يومًا، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها يحتلبونها، فيملأون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)[القمر] وقال تعالى: ﴿هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فجّ، وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء، وكانت على ما ذكر خلقًا هائلًا ومنظرًا رائعًا إذا مرت بأنعامهم نفرت منها، فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: (إنهم اتفقوا كلهم على قتلها) (١).

قال قتادة: بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان (٢).

قلت: وهذا هو الظاهر لقوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤)[الشمس] وقال: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩] وقال: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾ فأسند ذلك على مجموع القبيلة فدل على رِضى جميعهم بذلك والله أعلم.

وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير وغيره من علماء التفسير أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها: عنيزة ابنة غنم بن مجلز، وتكنى أُم غنم كانت عجوزًا كافرة، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح ، وكانت لها بنات حِسان ومال جزيل، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود. وامرأة أخرى يقال لها: صدوف بنت المحيا بن دهر بن [المحيا] (٣) ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة، فدعت صدوف رجلًا يقال له: الحباب، فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، فأبى عليها فدعت ابن عمّ لها يقال له: مصدع بن مهرج بن المحيا، فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جذع وكان رجلًا أحمر أزرق قصيرًا - يزعمون أنه كان ولد زنية وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه وهو سالف، وإنما هو من رجل يقال له: صهياد ولكن ولد على فراش سالف -. وقالت له: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة، فعند ذلك انطلق قدار بن سالف، ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر فصاروا تسعة رهط وهم الذين قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٤٨)[النمل] وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها فطاوعتهم على ذلك فانطلقوا فرصدوا


(١) ما بين قوسين أخرجه الطبري عن ابن إسحاق تارة وتارة أخرى عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بنحوه مطولًا.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة بنحوه بدون قوله: بلغني، ولكن هذه الرواية من أخبار أهل الكتاب.
(٣) كذا في (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "المختار"، وهو تصحيف.