للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم إذ ذاك رجلًا يقال له: معاوية بن بكر، وكانت له أم من قوم عاد واسمها كلهدة ابنة الخيبري، قال: فبعثت عاد وفدًا قريبًا من سبعين رجلًا إلى الحرم ليستسقوا لهم عند الحرم، فمرّوا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان: قينتان لمعاوية، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر، فلما طال مقامهم عنده وأخذته شفقة على قومه واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف عمل شعرًا يعرض لهم بالانصراف وأمر القينتين أن تغنياهم به فقال:

ألا يا قيل ويحك قُم فَهيَنم … لعلّ الله يُصبحنا غماما

فيسقي أرض عاد إنّ عادًا … قد أمسوا لا يُبينون الكلاما

من العطش الشديد وليس نرجو … به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهم بخير فقد … أمست نساؤهم عيامى (١)

وإن الوحش تأتيهم جهارًا … ولا تخشى لعادي سهاما

وأنتم ههنا فيما اشتهيتم … نهاركم وليلكم التماما

فقبحَ وفدكم من وفد قوم … ولا لُقّوا التحية والسلاما

قال: فعند ذلك تنبه القوم لما جاؤوا له، فنهضوا على الحرم ودعوا لقومهم فدعا داعيهم وهو: قيل بن عِنز، فأنشأ الله سحابات ثلاثًا بيضاء وسوداء وحمراء، ثم ناداه مناد من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب فقال: اخترت هذه السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد: اخترت رمادًا رمددًا، لا تبقي من عاد أحدًا لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته همدًا، إلا بني اللوذية المهندا، قال: وبنو اللوذية بطن من عاد يقيمون بمكة فلم يصبهم ما أصاب قومهم. قال وهم من بقي من أنسالهم وذراريهم عاد الآخرة.

قال: وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من وادٍ يقال له: المغيث، فلما رأوها استبشروا وقالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ يقول: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٤، ٢٥] أي: تهلك كل شيء مرت به فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها: مميد، فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا: ما رأيت يا مميد؟ قالت ريحًا فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا كما قال الله تعالى. والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك، واعتزل هود فيما ذكر لي ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الأنفس، وإنها لتمرّ على عاد بالظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة.

وذكر تمام القصّة بطولها وهو سياق غريب فيه فوائد كثيرة وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨)[هود] (٢).


(١) كذا في النسخ، وفي البداية والنهاية (١/ ١٢٦): "نساءهم أيامى": جمع أيم، التي هلك زوجها.
(٢) أخرجه الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق بنحوه مطولًا.