للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَحْدَهُ﴾ الآية كقول الكفار من قريش ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)[الأنفال].

وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا يعبدون أصنامًا فصنم يقال له: صُداء، وآخر يقال له: صمود، وآخر يقالُ له: الهباء (١). ولهذا قال هود : ﴿وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجسّ قيل؛ هو مقلوب من رجز.

وعن ابن عباس: معناه: سخط وغضب.

﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ أي: أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي لا تضر ولا تنفع ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلًا ولهذا قال: ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ولهذا عقبه بقوله: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)﴾.

وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم كما قال في الآية أخرى ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (٨)[الحاقة] لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء في تنكسه على أم رأسه، فتثلغ رأسه حتى تبينه من بين جثته ولهذا قال: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾.

وقال محمد بن إسحاق: كانوا يسكنون باليمن بين عمان وحضرموت وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله، فبعث الله إليهم هودًا وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفّوا عن ظلم الناس، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا: من أشد منا قوة واتبعه منهم ناس وهم يسير يكتمون إيمانهم، فلما عتّت عاد على الله وكذبوا نبيه وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثًا بغير نفع كلمهم هود فقال: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١)[الشعراء] ﴿قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ أي بجنون ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)[هود].

قال محمد بن إسحاق: فلما أبوا إلا الكفر به أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين فيما يزعمون حتى جهدهم ذلك قال: وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان، وطلبوا من الله الفرج فيه إنما يطلبونه بحرمة ومكان بيته، وكان معروفًا عند أهل ذلك الزمان وبه العماليق مقيمون وهم من


(١) أخرجه الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق.