للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريب مما أورده محمد بن إسحاق بن يسار ، وقال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي، حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله فمررت بالربَّذَة، فإذا بعجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة هل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فأتيت المدينة فإذا المسجد غاصّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال متقلّد سيفًا بين يدي رسول الله فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا قال: فجلست فدخل منزله أو قال: رحله فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت وسلمت فقال: هل بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم وكانت لنا الدائرة عليهم.

ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها فدخلت فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزًا، فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت. وقالت: يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك؟ قال: قلت: إن مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها (١)، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد. قال لي: "وما وافد عاد؟ " وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستعظمه. قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له: قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه. اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: خذها رمادًا رِمددًا (٢)، لا تبقي من عاد أحدًا قال: فما بلغني أنه بعث الله عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا. قال أبو وائل وصدق قال: وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد (٣). هكذا. رواه الإمام أحمد في المسند، ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن زيد بن الحباب به نحوه، ورواه النسائي من حديث سلام بن أبي المنذر، عن عاصم وهو: ابن بهدلة، ومن طريقه رواه ابن ماجه أيضًا عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان البكري (٤) به، ورواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زيد بن حباب به ووقع عنده عن الحارث بن يزيد البكري فذكره، ورواه أيضًا عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان البكري، فذكره ولم أر في النسخة أبا وائل (٥)، والله أعلم.


(١) أي: لا تكن كالعنز تبحث عن المُدية (فصل المقال لأبي عبيد البكري ص ٤٥٦).
(٢) رِمددًا: المتناهي في الاحتراق والدقة.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣٠٧ ح ١٥٩٥٤)، وحسنه محققوه.
(٤) سنن الترمذي، تفسير القرآن، باب ومن سورة الذاريات (ح ٣٢٧٠)، والسنن الكبرى للنسائي (ح ٨٦٠٧)، وسنن ابن ماجه، الجهاد، باب الرايات والألوية (ح ٢٨١٦)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٢٧٢) وذكره في السلسلة الصحيحة (ح ٢١٠٠).
(٥) أخرجه الطبري عن أبي كريب بالإسنادين ولم يذكر أبا وائل فيهما في نسخة الأستاذ أحمد شاكر، ولكن ورد ذكره في الرواية الثانية في نسخة معالي د. التركي، وهذه فائدة الرجوع إلى عدة نسخ في التحقيق.