للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة: سمعت عليًا يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر يخالطه مدرة (١) حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت. هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؟ والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه، قال: لا ولكني قد حدثت عنه فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبر هود رواه ابن جرير (٢).

وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن فإن هودًا دفن هناك وقد كان من أشرف قومه نسبًا لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدّد خلقهم شدّد على قلوبهم، وكانوا من أشدّ الأمم تكذيبًا للحق، ولهذا دعاهم هود إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه.

﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ والملأ هم الجمهور والسادة والقادة منهم ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦)﴾ أي في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والإقبال على عبادة الله وحده كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد فقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥] الآية.

﴿قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧)﴾ أي لست كما تزعمون بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء ومليكه

﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)﴾ وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة

﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾ أي لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولًا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه بل احمدوا الله على ذاكم ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أي: واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ أي زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم كقوله في قصة طالوت ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة: ٢٤٧] ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ أي: نعمه ومننه عليكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [والآلاء جمع إلى وقيل إلى] (٣).

﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)﴾.

يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ


(١) المدرة: الطين الذي لا رمل فيه.
(٢) أخرجه الطبري عن ابن حميد، وهو محمد بن حميد الرازي، عن سلمة عن ابن إسحاق به، وابن حميد ضعيف وقد توبع إذ أخرجه البخاري من طريق أحمد بن عاصم عن عبد الله بن هارون عن أبيه عن ابن إسحاق به وصرح ابن إسحاق بالتحديث (التاريخ الكبير ١/ ١٣٥)، ويبقى في سنده محمد بن عبد الله بن أبي سعيد سكت عنه البخاري وذكره ابن حبان في (الثقات ٥/ ٣٧٦)، ولم يكف هذا التوثيق ولكن الرواية تاريخية مقبولة، واعتمدها الحافظ ابن كثير إذ استنبط منها الفائدة المذكورة أعلاه.
(٣) زيادة من (مح) و (حم).