للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القيامة ينزل الله ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يومًا، فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض. وهذا المعنى كثير في القرآن يضرب الله مثلًا ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أي: والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعًا حسنًا كما قال: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧].

﴿وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ قال مجاهد وغيره كالسباخ (١) ونحوها.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في الآية: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر (٢).

وقال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا حماد بن أُسامة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله : "مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (٣). رواه مسلم والنسائي من طرق عن أبي أُسامة حماد بن أسامة به (٤).

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢)﴾.

لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء الأول فالأول، فابتدأ بذكر نوح فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم وهو: نوح بن لامك بن متوشلح بن أخنوخ - وهو إدريس النبي فيما يزعمون، وهو أول من خط بالقلم - ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم . هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب (٥).

قال محمد بن إسحاق: ولم يلقَ نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قُتل (٦).

وقال يزيد الرقاشي: إنما سمي نوح لكثرة ما ناح على نفسه (٧).


(١) السباخ جمع سبخة وهي الأرض المالحة الغير صالحة للزراعة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به بنحوه.
(٣) أخرجه البخاري بسنده ومتنه، العلم، باب فضل من عَلِمَ وعلَّم (ح ٧٩).
(٤) صحيح مسلم، الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي من الهدي والعلم (ح ٢٢٨٢)، والسنن الكبرى للنسائي (ح ٥٨٤٣).
(٥) ذكره بنحوه الحافظ ابن كثير في قصص الأنبياء ١/ ٦٠.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم وأبو نعيم (الحلية ٣/ ٥١)، كلاهما من طريق مسلم أبي عبد الله العباداني عن يزيد الرقاشي.