للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضرّ ما يكون على العباد فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه فقال: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أي: خوفًا مما عنده من وبيل العقاب وطمعًا فيما عنده من جزيل الثواب ثم قال: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: إن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره كما قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ الآية [الأعراف] وقال: ﴿قَرِيبٌ﴾ ولم يقل: قريبة لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب أو لأنها مضافة إلى الله فلهذا قال: ﴿قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وقال مطر الوراق: تنجزوا موعود الله بطاعته، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين. رواه ابن أبي حاتم (١).

﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)﴾.

لما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض، وأنه المتصرف الحاكم المدير المسخر، وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قادر نبه تعالى على أنه الرزاق، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا﴾ (٢) أي: ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ بشرًا كقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦].

وقوله: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي بين المطر كما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)[الشورى] وقال: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠)[الروم] وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا﴾ أي: حملت الرياح سحابًا ثقالًا، أي: من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة كما قال زيد بن عمرو بن نفيل :

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له … المُزْنُ تحمل عذبًا زلالًا

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له … الأرض تحمل صخرًا ثقالًا (٣)

وقوله: ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ أي إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ [يس: ٣٣] الآية ولهذا قال: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ أي كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميمًا يوم


= في الماء (ح ٩٦) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٨٧).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق جعفر عن مطر.
(٢) ﴿نُشْرًا﴾ بالنون وهي قراءة متواترة.
(٣) ورد ذكر البيتين في السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٢٣١.