للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عشرة قرون كلهم على الإسلام (١).

قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير: وكان أول ما عبدت الأصنام أن قومًا صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صورة أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجسادًا على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونَسرًا (٢)، فلما تفاقم الأمر بعث الله وله الحمد والمنة رسوله نوحًا، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي: من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ أي: الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢)[المطففين] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)[الأحقاف] إلى غير ذلك من الآيات.

﴿قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١)﴾ أي: ما أنا ضالّ ولكن أنا رسول من رب كل شيء ومليكه

﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢)﴾ وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغًا فصيحًا ناصحًا عالمًا بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعًا: "أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول: "اللّهم اشهد اللّهم اشهد" (٣).

﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)﴾.

يقول تعالى إخبارًا عن نوح أنه قال لقومه ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ الآية؛ أي: لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفًا وإحسانًا إليكم لينذركم ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

قال الله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أي: تمادوا على تكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إلا قليل كما نصّ عليه تعالى في موضع آخر ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ أي: السفينة كما قال: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ


(١) ذكره الحافظ ابن كثير في قصص الأنبياء (١/ ٦٠)، ونسبه إلى البخاري في صحيحه وأخرجه ابن حبان بسند صحيح عن أبي امامة مرفوعًا بنحوه (الإحسان ١٤/ ٦٩ ح ٦١٩٠) وصححه محققه، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير ح ٧٥٤٥) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة (المجمع ٨/ ٢١٠)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٦٢).
(٢) أخرجه البخاري بنحوه (الصحيح، التفسير، سورة نوح باب: ﴿وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ﴾ ح ٤٩٢٠).
(٣) صحيح مسلم، الحج، باب حجة النبي (ح ١٢١٨) من حديث جابر بن عبد الله .