للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع بهم صوت إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا رضي فعله فقال: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)[مريم] (١).

وقال ابن جريج: يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة (٢).

ثم روي عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ في الدعاء ولا في غيره (٣).

وقال أبو مجلز: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ لا يسأل منازل الأنبياء (٤).

وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن زياد بن مخراق، سمعت أبا نعامة عن مولى لسعد أن سعدًا سمع ابنًا له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوًا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال: لقد سألت الله خيرًا كثيرًا وتعوذت به من شر كثير وإني سمعت رسول الله يقول: "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء" وقرأ هذه الآية ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)﴾ وإن بحسبك أن تقول: "اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل" (٥). ورواه أبو داود من حديث شعبة عن زياد بن مخراق، عن أبي نعامة، عن مولى لسعد، عن سعد فذكره (٦) والله أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا الجريري، عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بُني سلِ الله الجنة وعُذْ به من النار، فإني سمعت رسول الله يقول: "يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور" (٧).

وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان به وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن إياس الجُريْري، عن أبي نعامة واسمه قيس بن عباية الحنفي البصري (٨). وهو إسناد حسن لا بأس به، والله أعلم.


(١) أخرجه عبد الله بن المبارك عن ابن فضالة به (الزهد ١٤٠) وسنده حسن.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود ضعيف.
(٣) أخرجه الطبري عن عطاء به، وسنده ضعيف لأن عطاء الخراساني لم يسمع ابن عباس.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند حسن من طريق عباد بن عباد بن علقمة عن أبي مجلز.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وزيادة (المسند ٣/ ٧٩ - ٨٠ ح ١٤٨٣)، وقال محققوه: حسن لغيره. وصححه الألباني كما سيأتي.
(٦) سنن أبي داود، الصلاة، باب الدعاء (ح ١٤٨٠)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ١٣١٣).
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٤/ ١٧٢ ح ٢٠٥٥٤)، وقال محققوه: حسن لغيره، وحسنه أيضًا الحافظ بن كثير كما سيأتي.
(٨) سنن ابن ماجه، الدعاء، باب كراهية الاعتداء بالدعاء (ح ٣٨٦٤)، وسنن أبي داود، الطهارة، باب الإسراف =