للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النَّهَارِ﴾ أي: لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو في أثره بلا واسطة بينهما ولهذا قال: ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ منهم من نصب ومنهم من رفع (١) وكلاهما قريب المعنى أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال منبهًا: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ أي له الملك والتصرف ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ كقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١)[الفرقان].

قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا إسحاق، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن، حدثنا بَقيّة بن الوليد، حدثنا عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله : "من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله، ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه" لقوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢).

وفي الدعاء المأثور عن أبي الدرداء وروي مرفوعًا "اللهم لك الملك كله ولك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله وأعوذ بك من الشر كله" (٣).

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾.

أرشد عباده إلى دعائه الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم فقال: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ قيل معناه تذللًا واستكانه، وخفية كما قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (٢٠٥)[الأعراف] وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله : "أيها الناس اربِعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعون سميع قريب" الحديث (٤).

وقال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ قال السر (٥).

وقال ابن جرير تضرعًا: تذللًا واستكانة لطاعته، وخفية يقول: بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارًا ومراءاة (٦).

وقال عبد الله بن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان


(١) أي نصب: النجوم، ورفعها، وكلاهما قراءتان متواترتان.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًا لأن عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري: وضاع متروك (لسان الميزان ٤/ ٤٣).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الفاتحة آية رقم ٢.
(٤) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة البقرة آية ١٨٦.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج به، والخراساني لم يسمع ابن عباس، ومعناه صحيح.
(٦) ذكره الطبري بنحوه.