للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [النساء: ٨٧] هذه اللام هي الموطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة، ليجمعن عباده ﴿إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الواقعة: ٥٠] وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه؛ أي: لا شك فيه عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون، فهم في ريبهم يترددون.

وقال ابن مردويه عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة، حدثنا عباس بن محمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محصن بن عقبة اليماني، عن الزبير بن شبيب، عن عثمان بن حاضر، عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: "والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله تعالى سبعين ألف ملك، في أيديهم عصي من نار، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء" (١)، هذا حديث غريب.

وفي الترمذي: "إن لكل نبي حوضًا، وأرجو أن أكون أكثرهم واردًا" (٢).

وقوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: يوم القيامة ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: لا يصدقون بالمعاد، ولا يخافون شر ذلك اليوم،

ثم قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أي: كل دابة في السموات والأرض الجميع عباده وخلقه، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره، لا إله إلا هو، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم.

ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد ، الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كقوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤)[الزمر] والمعنى: لا أتخذ وليًا إلا الله وحده لا شريك له، فإنه فاطر السموات والأرض؛ أي: خالقهما ومبدعهما، على غير مثال سبق ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ أي: وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)[الذاريات]، وقرأ بعضهم ههنا ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يَطْعَمُ﴾ (٣) أي: لا يأكل.

وفي حديث سهيل بن أبي صالح: عن أبيه، عن أبي هريرة ، قال: دعا رجل من الأنصار، من أهل قباء النبي على طعام، فانطلقنا معه، فلما طعم النبي وغسل يديه، قال: "الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، ومنّ علينا فهدانا وأطعمنا، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافأ ولا مكفور، ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وهدانا من


(١) حكم عليه الحافظ بأنه غريب.
(٢) أخرجه الترمذي من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي مرسلًا، ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح (السنن، صفة القيامة، باب ما جاء في صفة الحوض ح ٢٤٤٣)، وقال الألباني بمجموع طرقه حسن صحيح، (السلسلة الصحيحة ح ١٥٨٩).
(٣) وهي قراءة شاذة.