للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (٨)[الحجر]. ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ الآية [الفرقان: ٢٢]

وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)﴾ هو أي: ولو أنزلنا مع الرسول البشري ملكًا؛ أي: لو بعثنا إلى البشر رسولًا ملكيًا، لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر، كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري، كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)[الإسراء] فمن رحمته تعالى بخلقه، أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلًا منهم، ليدعو بعضهم بعضًا، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض، في المخاطبة والسؤال، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ الآية [آل عمران: ١٦٤].

قال الضحاك، عن ابن عباس في الآية يقول: لو أتاهم ملك، ما أتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور (١)، ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون.

وقال الوالبي، عنه: ولشبهنا عليهم (٢).

وقوله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾ هذه تسلية للنبي في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة، في الدنيا والآخرة،

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾ أي: فكروا في أنفسكم، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية، الذين كذبوا رسله، وعاندوهم، من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا، مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم، في الآخرة، وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.

﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)﴾.

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهما، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة، كما ثبت في الصحيحين، من طريق الأعمش: عن أبي صالح، عن أبي هريرة ، قال: قال النبي : "إن الله لما خلق الخلق، كتب كتابًا عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي" (٣).


(١) أخرجه الطبري من طريق الضحاك به، وسنده منقطع لأن الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة الوالبي به.
(٣) صحيح البخاري، التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨]، (ح ٧٤٠٤)، وصحيح مسلم، التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى (ح ٢٧٥).