للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضلال، وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلًا، الحمد لله رب العالمين" (١).

﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ أي: من هذه الأمة ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)﴾ يعني: يوم القيامة

﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ أي: العذاب ﴿يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ يعني: ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ كقوله: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥] والفوز حصول الربح، ونفي الخسارة.

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا: أنه مالك الضر والنفع، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)﴾ كقوله تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٢].

وفي الصحيح: أن رسول الله كان يقول: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (٢).

ولهذا قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ أي: وهو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه، وعظمته وعلوه، وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت قهره وحكمه، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ أي: في جميع أفعاله ﴿الْخَبِيرُ﴾ بمواضع الأشياء ومحالها، فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنع إلا من يستحق.

ثم قال: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ أي: من أعظم الأشياء شهادة ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي: هو العالم بما جئتكم به، وما أنتم قائلون لي، ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي: وهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧].

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وجميع وأبو أسامة، وأبو خالد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، في قوله: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي ، زاد أبو خالد وكلمه (٣)، ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب،


(١) أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" من السنن الكبرى (ح ١٠١٣٣)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٥٤٦).
(٢) صحيح البخاري، الأذان، باب الذكر بعد الصلاة (ح ٨٤٤)، وصحيح مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة (ح ٥٩٣).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف، وقد تابعه أبو معشر في رواية الطبري ومعناه صحيح.