للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين المكذبين المعاندين، أنهم مهما أتتهم من آية أي دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات، على وحدانية الله وصدق رسله الكرام، فإنهم يعرضون عنها، فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها،

قال الله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥)﴾ وهذا تهديد لهم، ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق، بأنه لا بدّ أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب، وليجدنّ غبه وليذوقنّ وباله،

ثم قال تعالى واعظًا لهم ومحذرًا لهم، أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم، من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم قوة، وأكثر جمعًا وأكثر أموالًا وأولادًا واستغلالًا للأرض، وعمارة لها، فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض والسعة والجنود، ولهذا قال: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ أي: شيئًا بعد شيء.

﴿وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ﴾ أي: أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض؛ أي: استدراجًا وإملاء لهم ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي: بخطاياهم، وسيئاتهم التي اجترحوها ﴿وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ أي: فذهب الأولون كأمس الذاهب، وجعلناهم أحاديث، ﴿وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ أي: جيلًا آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم، فأهلكوا كإهلاكهم، فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب، ومعاجلة العقوبة منهم، لولا لطفه وإحسانه.

﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق، ومباهتتهم ومنازعتهم فيه، ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ أي: عاينوه ورأوا نزوله، وباشروا ذلك، ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)[الحجر] وكقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)[الطور]،

﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ أي: ليكون معه نذيرًا، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه، لجاءهم من الله العذاب، كما قال الله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ