للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن النبي تلا قول عيسى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)﴾ فرفع يديه، فقال: "اللهم أمتي" وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسأله ما يبكيه، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن قال: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن هبيرة، أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب، سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله يومًا، فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع رأسه قال: "إن ربي ﷿ استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت: ما شئت أي رب، هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية فقلت له كذلك، فقال لي: لا أخزيك في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا، مع كل ألف سبعون ألفًا ليس عليهم حساب. ثم أرسل إليّ فقال: ادع تجب وسل تعط، فقلت لرسوله: أَوَ معطيّ ربي سؤلي؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حيًا صحيحًا، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرًا، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا مما شدّد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج" (٢).

﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)﴾.

يقول تعالى مجيبًا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم ، فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين الكاذبين على الله وعلي رسوله، ومن ردّ المشيئة فيهم إلى ربه ﷿، فعند ذلك يقول تعالى: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾.

قال الضحاك: عن ابن عباس يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم (٣).

﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أي: ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون، رضي الله عنهم ورضوا عنه كما قال تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢] وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث.

وروى ابن أبي حاتم ها هنا حديثًا عن أنس فقال: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا المحاربي عن ليث، عن عثمان - يعني ابن عمير - أخبرنا اليقظان، عن أنس مرفوعًا، قال: قال


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وأخرجه مسلم بسنده نحوه (الصحيح، الإيمان، باب دعاء النبي لأمته. . . ح ٢٠٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٨/ ٣٦١ - ٣٦٢ ح ٢٣٣٣٦)، وضعفه محققوه بسبب ابن لهيعة، وذكروا لبعضه شواهد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك به، وسنده ضعيف منقطع لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.