للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)﴾ هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله ﷿، فإنه الفعال لما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله ندًا وصاحبة وولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن النبي قام بها ليلة حتى الصباح يرددها (١).

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثني فليت العامري، [عن جسرة العامرية] (٢)، عن أبي ذر ، قال: صلى النبي ذات ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)﴾ فلما أصبح، قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية، حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: "إني سألت ربي ﷿ الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئًا" (٣).

(طريق أخرى وسياق آخر): قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا قدامة بن عبد الله، حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة، فانتهت إلى الربَذة (٤)، فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله ليلة من الليالي في صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون، فلما رأى قيامهم وتخلفهم، انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان، رجع إلى مكانه يصلي، فجئت فقمت خلفه، فأومأ إليّ بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا. يصلي كل واحد منا بنفسه، ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو، وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود، أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة، فقال ابن مسعود بيده: لا أسأله عن شيء، حتى يحدث إليّ، فقلت: بأبي وأمي، قمت بآية من القرآن ومعك القرآن! لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه، قال: "دعوت لأمتي"، قلت: فماذا أجبت أو ماذا رد عليك؟ قال: "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة" قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: "بلى" فانطلقت مُعنقًا (٤)، قريبًا من قذفة بحجر، فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادات، فناداه أن "ارجع" فرجع، وتلك الآية ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)(٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن بكر بن سوادة حدثه، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص،


(١) وهو حديث حسن كما سيأتي.
(٢) كذا في (مح) ومسند أحمد وسقط من الأصل.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وحسنه محققوه (المسند ٣٥/ ٢٥٦، ٢٥٧ ح ٢١٣٢٨)، وأخرجه ابن ماجه (السنن، إقامة الصلاة، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل ح ١٣٥٠)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٢٤١)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ١١١٠) وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة.
(٤) مُعنقا: قال السندي: اسم فاعل من الإعناق. . . والاسم منه العَنَق، وهو نوع من السير سريع.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وحسنه محققوه (المسند ٣٥/ ٣٩٠ ح ٢١٤٩٥).