للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده، فيجاثيهم بين يدي الله ﷿ مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار" (١). وهذا الحديث غريب عزيز.

قال (٢) ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: يُلَقّى عيسى حجته، ولِقَّاه الله تعالى في قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قال أبو هريرة، عن النبي : فلقاه الله: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. . .﴾ إلى آخر الآية (٣). وقد رواه الثوري عن معمر، عن ابن طاوس، عن طاوس بنحوه (٤).

وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ أي: إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب، فإنه لا يخفى عليك شيء، فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته، ولهذا قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ بإبلاغه ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ أي: ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ أي هذا هو الذي قلت لهم. وقوله: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ أي: كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.

قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال: انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان، فأملى على سفيان وأنا معه، فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله ﷿ حفاة، عراة، غرلًا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح ﴿كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)﴾ فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" (٥) ورواه البخاري عند هذه الآية عن أبي الوليد، عن شعبة، وعن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، كلاهما عن المغيرة بن النعمان به (٦).


(١) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٩/ ٥٤)، واستغربه الحافظ ابن كثير.
(٢) كذا في الأصل: و (مح)، ومنهج الحافظ أن يقول: قوله تعالى.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه الترمذي من طريق ابن أبي عمر العدني به وقال: حسن صحيح. (السنن، تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة ح ٣٠٦٢)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٤٥٠).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الفريابي عن الثوري به، وسنده صحيح لكنه مرسل.
(٥) أخرجه الطيالسي بسنده ومتنه (المسند ح ٢٦٣٨) وسنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ [المائدة: ١١٨] (ح ٤٦٢٥).