للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما، ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما، فإذا قال لهما ذلك فإن ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾ رواه ابن (١) جرير.

وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا هشيم، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ الآية، قالا: إذا حضر الرجل الوفاة في سفر فليشهد رجلين من المسلمين، فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب، فإذا قدما بتركته فإن صدقهما الورثة قبل قولهما، وإن اتهموهما حلفا بعد صلاة العصر بالله ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنا ولا غيرنا (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر: بالله ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلًا، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا: بالله أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لم نعتد، فذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ يقول من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد، فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء. وهكذا روى العوفي عن ابن عباس، رواهما ابن جرير (٣)، وهكذا قرر هذا الحكم على مقتضى هذه الآية غير واحد من أئمة التابعين والسلف ، وهو مذهب الإمام أحمد .

وقوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾ أي: شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين، واستريب بهما أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي. وقوله: ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي: يكون الحامل لهم على الإتيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله، والخوف من الفضيحة بين الناس إن ردت اليمين على الورثة، فيحلفون ويستحقون ما يدعون، ولهذا قال: ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾، ثم قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: في جميع أموركم، ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي: وأطيعوا، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ أي: الخارجين عن طاعته ومتابعة شرعه (٤).

﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١٠٩)﴾.

هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)[الأعراف]، وقال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)[الحجر]، وقول الرسل: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾، قال مجاهد والحسن البصري والسدي: إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم (٥).


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وسنده ضعيف للانقطاع بين السدي وابن عباس فإنه لم يسمع من ابن عباس ويشهد لمعظمه سوابقه من الصحيح وغيره.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وسنده ضعيف ومرسل ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٣) أخرجه الطبري من الطريقين بمتنه، ورواية ابن أبي طلحة تقوي رواية العوفي.
(٤) كذا في الأصل وفي (مح): شريعته.
(٥) قول مجاهد سيأتي في تفسير عبد الرزاق، وقول الحسن أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق شيخ مبهم =