للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين منهم عكرمة ومحمد بن سيرين وقتادة، وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر، رواه ابن جرير، وكذا ذكرها مرسلة مجاهد والحسن والضحاك (١)، وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها، ومن الشواهد لصحة هذه القصة أيضًا ما رواه أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا هشيم قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبي أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه، قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري ، فأخبراه، وقدما الكوفة بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله ، قال: فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا، ولا كذبا، ولا بدلا، ولا كتما، ولا غيرا، وأنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتهما.

ثم رواه عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقا، وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي، عن أبي موسى الأشعري (٢)، فقوله: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله الظاهر - والله أعلم - أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بَدّاء، وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري ، كان سنة تسع من الهجرة، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرًا يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام، والله أعلم.

وقال أسباط، عن السدي في الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال: هذا في الوصية عند الموت، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وما عليه، قال: هذا في الحضر ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ في السفر ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ هذا الرجل يدركه الموت في سفره، وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه، فيقبلان به، فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا ما لصاحبهم، تركوهما، وإن ارتابوا، رفعوهما إلى السلطان، فذلك قوله تعالى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ قال عبد الله بن عباس : كأني انظر إلى العلجين حتى انتهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت وخوفوهما، فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت: إنهما لا يباليان صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما فيحلفان بالله لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين، أن صاحبهم بهذا أوصى، وأن هذه لتركته، فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا:


= توبع فقد أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله المديني، عن يحيى بن آدم به (الصحيح، كتاب الوصايا، باب قول الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ. . .﴾ [المائدة: ١٠٦] ح ٢٧٨٠)، وحسنه علي بن المديني كما نقله المزي في (تهذيب الكمال ١٨/ ٣١٢)، ولم يقف الحافظ ابن كثير على رواية البخاري لأنه حاول تخريجه من مصادر كثيرة وطرق غزيرة.
(١) وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضًا.
(٢) أخرجه الطبري بطريقيه ومتنه وسنده صحيح لكنه مرسل ويتقوى بما سبق.