للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال العوفي، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، ونهيته عنه من الحرام، فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به (١)، كذا روى الوالبي عنه، وهكذا قال مقاتل بن حيان (٢).

فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ نصب على الإغراء، ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: فيجازي كل عامل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكنًا.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير - يعني: ابن معاوية -، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قيس قال: قام أبو بكر الصديق ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله ﷿ أن يعمهم بعقابه". قال: سمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان (٣). وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد به، متصلًا مرفوعًا، ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره، وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولًا في مسند الصديق (٤).

وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أُمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أيامًا، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون كعملكم" قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلًا منا أو منهم؟ قال: "بل أجر خمسين منكم"، ثم قال الترمذي: هذا حديث


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق العوفي به، وسنده ضعيف ويتقوى بالرواية اللاحقة.
(٢) قول الوالبي وهو علي بن أبي طلحة أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت عنه عن ابن عباس، وقول مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ١٩٧ ح ١٦)، وصحح سنده محققوه، وأحمد شاكر وأخرجه سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد به (التفسير ٤/ ١٦٣٦ ح ٨٤٠) قال الحافظ ابن حجر: وهذا أصح الأسانيد عن أبي بكر . (النكت ١/ ٢٥٦).
(٤) سنن أبي داود، الملاحم، باب الأمر والنهي (ح ١٣٣٨)، وسنن الترمذي الفتن، باب ما جاء في نزول العذاب. . . (ح ٢١٦٨)، والسنن الكبرى للنسائي (ح ١١١٥٧)، وسنن ابن ماجه، الفتن، باب الأمر بالمعروف. . . (ح ٤٠٠٥)، وصحيح ابن حبان (ح ٣٠٤)، والعلل للدارقطني ١/ ٢٥٣.