للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحوص الجشمي، عن أبيه مالك بن [نضلة] (١)، قال: أتيت النبي في خلقان من الثياب، فقال لي: "هل لك من مال؟ " فقلت: نعم. قال: "من أي المال؟ " قال: فقلت: من كل المال: من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: "فماذا آتاك الله مالًا فكثر عليك"، ثم قال: "تنتج إبلك وافية آذانها؟ " قال: قلت: نعم، وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ قال: "فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول: هذه بحيرة، تشق آذان طائفة منها وتقول: هذه حُرُم" قلت: نعم. قال: "فلا تفعل إن كل ما آتاك الله لك حِلّ"، ثم قال: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾.

أما البحيرة، فهي التي يجدعون آذانها فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها، فإذا ماتت اشتركوا فيها.

وأما السائبة، فهي التي يسيبون لآلهتهم ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها.

وأما الوصيلة، فالشاة تلد ستة أبطن، فإذا ولدت السابع جدعت وقطع قرنها، فيقولون: قد وصلت فلا يذبحونها، ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض (٢). هكذا يذكر تفسير ذلك مدرجًا في الحديث.

وقد روي وجه آخر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عوف بن مالك، من قوله: وهو أشبه، وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزعراء، عمرو بن عمرو، عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن أبيه به وليس فيه تفسير هذه، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ أي: ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة، ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعًا لهم، وقربة يتقربون بها إليه، وليس ذلك بحاصل لهم بل هو وبال عليهم.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ أي: إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك. قال الله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ أي: لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه، لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلًا.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾.

يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم، ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبرًا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبًا منه أو بعيدًا.


(١) كذا في (مح) وتفسير ابن أبي حاتم وفي الأصل صُحفت إلى: "فضلة".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه مقطعًا، وأخرجه الإمام أحمد من طريق شعبة عن أبي إسحاق به بدون قوله: ثم قال ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] إلخ (المسند ٢٥/ ٢٢٦ ح ٥٨٩١)، وأخرجه الطبراني (المعجم الصغير ح ٤٨٩)، قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح.