للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبا هابيل قد قتلا جميعًا … وصار الحي بالميت الذبيح

وجاء بشرَّةٍ قد كان منها … على خوف فجاء بها يصيح (١)

والظاهر أن قابيل عوجل بالعقوبة، كما ذكره مجاهد وابن جبير أنه علقت ساقه بفخذه إلى يوم القيامة، وجعل الله وجهه إلى الشمس حيث دارت عقوبة له وتنكيلًا به (٢)، وقد ورد في الحديث أن النبي قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا، فإنا الله وإنا إليه راجعون.

﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)﴾.

يقول تعالى: من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلمًا وعدوانًا ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: شرعنا لهم وأعلمناهم ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ أي: من قتل نفسًا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعًا، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها؛ أي: حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، ولهذا قال: ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

[وقال الأعمش وغيره، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعًا وإياي معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلًا واحدًا فكأنما قتلت الناس جميعًا فانصرف مأذونًا لك مأجورًا غير مأزور، قال: فانصرفت ولم أقاتل] (٣) (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وهو موضوع على علي بن أبي طالب، وضعه غياث بن إبراهيم قال عنه ابن معين كذاب خبيث واتهمه كثير من النقاد بالوضع (لسان الميزان ٤/ ٤٢٢)، ومن أين الشعر لآدم ؟!
(٢) لا يعتمد على هذه الإسرائيلية العجيبة الغريبة.
(٣) ما بين معقوفين زيادة من (حم) و (مح).
(٤) أخرجه ابن سعد عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش به (الطبقات الكبرى ٣/ ٥١)، وكذا خليفة بن خياط (الطبقات ص ١٢٩)، ولا تضر عنعنة الأعمش لأنه توبع بواسطة عثمان بن حكيم الأنصاري عن أبي صالح ذكوان به، فقد أخرجه الدينوري من طريق عثمان به (المجالسة ٢/ ١٦٠ ح ١٨٣)، وكذا ابن عساكر (تاريخ دمشق ٣٩/ ٣٩٧)، وسنده صحيح.