للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ وإحياؤها ألا يقتل نفسًا حرمها الله، فذلك الذي أحيا الناس جميعًا يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حمي الناس منه (١)، وهكذا قال مجاهد: ومن أحياها؛ أي: كف عن قتلها (٢).

وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾، يقول: من قتل نفسًا واحدة حرمها الله، فهو مثل من قتل الناس جميعًا، وقال سعيد بن جبير: من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم [دماء] (٣) الناس جميعًا، هذا قول وهو الأظهر.

وقال عكرمة والعوفي عن ابن عباس: من قتل نبيًا أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شذ على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعًا (٤)، رواه ابن جرير. وقال مجاهد في رواية أخرى عنه: من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا (٥)، وذلك لأن من قتل النفس فله النار فهو كما لو قتل الناس كلهم.

قال ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد في قوله: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ من قتل النفس المؤمنة متعمدًا، جعل الله جزاءه جهنم، وغضب عليه ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا، يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يزد على مثل ذلك العذاب (٦)، قال ابن جريج: قال مجاهد: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ قال: من لم يقتل أحدًا فقد حمي الناس منه.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس، يعني: فقد وجب عليه القصاص، فلا فرق بين الواحد والجماعة، ومن أحياها أي عفا عن قاتل وليِّه فكأنما أحيا الناس جميعًا، وحكى ذلك عن أبيه (٧)، رواه ابن جرير.

وقال مجاهد في رواية: ومن أحياها؛ أي: أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة (٨).

وقال الحسن وقتادة في قوله: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾، هذا تعظيم لتعاطي القتل، قال قتادة: عظيم والله وزرها، وعظيم والله أجرها (٩).


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٢) أخرجه الطبري من طرق يقوي بعضها بعضًا عن مجاهد.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وسقط من الأصل.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق حسين واقد عن عكرمة به، وأخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بسابقه.
(٥) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا عن مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن المبارك عن ابن جريج به وفي آخره بلفظ: "فقد استراح الناس منه".
(٧) أخرجه الطبري من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن به، وسنده ضعيف لضعف عبد الرحمن.
(٨) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا عن مجاهد.
(٩) قول الحسن أخرجه الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعضًا عن الحسن، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه، وسنده صحيح.