للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بئر داخل الكعبة، فيها توضع الهدايا، وأموال الكعبة فيه، وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه (١).

وثبت في الصحيحين أن النبي لما دخل الكعبة، وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها، وفي أيديهما الأزلام فقال: "قاتلهم الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدًا" (٢).

وفي الصحيح: أن سراقة بن مالك بن جعشم، لما خرج في طلب النبي وأبي بكر، وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين، قال: فاستقسمت بالأزلام، هل أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره لا تضرهم. قال: فعصيت الأزلام واتبعتهم، ثم إنه استقسم بها ثانية وثالثة، كل ذلك يخرج الذي يكره لا تضرهم، وكان كذلك، وكان سراقة لم يُسلم إذ ذاك ثم أسلم بعد ذلك (٣).

وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن يزيد، عن رقبة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله : "لن يلج الدرجات من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر طائرًا" (٤).

وقال مجاهد في قوله: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ قال: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم، كانوا يتقامرون (٥). وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار، فيه نظر، اللهم إلا أن يقال: إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة وفي القمار أخرى، والله أعلم. فإن الله سبحانه قد قرن بينها وبين القمار وهو الميسر فقال في آخر السورة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)[المائدة] وهكذا قال ههنا: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ أي: تعاطيه فسق وغي وضلالة وجهالة وشرك.

وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه. كما روى الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسميه باسمه - خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، وشره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني


(١) سيرة ابن هشام ١/ ١٦٨.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب من كبَّر في نواحي الكعبة (ح ١٦٠١).
(٣) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب هجرة النبي … (ح ٣٩٠٦).
(٤) سنده ضعيف لضعف إبراهيم بن يزيد (الجرح والتعديل ٢/ ١٤٥)، وعدم سماع رجاء من أبي الدرداء (فتح الباري ١٠/ ٢١٣).
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد.