للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طعنت في فخذها لأجزأ عنك" (١)، وهو حديث صحيح (٢)، ولكنه محمول على ما لا يقدر على ذبحه في الحلق واللبة.

وقوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة (٣)، قال ابن جريج: وهي ثلاثمائة وستون نصبًا، كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب (٤)، وكذا ذكره غير واحد، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله لما في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا، لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ أي: حرّم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام، واحدها زلم وقد تفتح الزاي، فيقال: زلم، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب: افعل، وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث غفل ليس عليه شيء، ومن الناس من قال: مكتوب على الواحد: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله، أو النهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام، هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا الحجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ قال: والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور (٦). وكذا روي عن مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بن حيان (٧).

وقال ابن عباس: هي قداح كانوا يستقسمون بها الأمور (٨).

وذكر محمد بن إسحاق وغيره: إن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له: هُبل منصوب على


(١) أخرجه الإمام أحمد عن وكيع عن حماد بن سلمة به، وضعفه محققوه بسبب جهالة أبي العشراء وأبيه (المسند ٣١/ ٢٧٨ ح ١٨٩٤٧).
(٢) قال أبو داود: وهذا في السنن "لا يصلح" إلا في المتردية والمتوحش (السنن، الأضاحي، باب ما جاء في ذبيحة المتردية ح ٢٨٢٥)، بعد الحديث مباشرة. وقال الحافظ ابن حجر: من قواه حمله على الوحش والمتوحش (الفتح ٩/ ٦٤١).
(٣) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو ابن داود الملقب بسنيد ضعيف.
(٥) ذكره الطبري عند هذه الآية، وقد أخرجه بنحوه من طريق عباد بن راشد عن الحسن البصري، وسنده حسن.
(٦) سنده ضعيف بسبب الانقطاع بين عطاء الخراساني وابن عباس ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٧) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن البصري تقدم.
(٨) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.