للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به" (١) لفظ أحمد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي.

وقوله: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني: يئسوا أن يراجعوا دينهم (٢)، وكذا روي عن عطاء بن أبي رباح والسدي ومقاتل بن حيان (٣)، وعلى هذا المعنى يورد الحديث الثابت في الصحيح: أن رسول الله قال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم" (٤)، ويحتمل أن يكون المراد أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله، ولهذا قال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا أحدًا إلا الله، فقال: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ أي: لا تخافوهم في مخالفتكم إياهم، واخشوني أنصركم عليهم وأبيدهم، وأظفركم بها، وأشف صدوركم منهم، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة.

وقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين، تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ وهو الإسلام، أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدًا (٥).

وقال أسباط، عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله فمات قالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلّى له جبريل، فمال رسول الله على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل


(١) مسند الإمام أحمد ٣/ ٣٤٤، وصحيح البخاري، التهجد، باب ما جاء في المتطوع مثنى مثنى (ح ١١٦٢)، وسنن الترمذي، أبواب الصلاة، باب في صلاة الاستخارة (ح ٤٨٠).
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه.
(٣) قول عطاء أخرجه الطبري بسند فيه الحسين وهو بن داود الملقب بسُنيد: ضعيف، ويتقوى بسابقه ولاحقه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٤) أخرجه مسلم من حديث جابر (الصحيح، صفات المنافقين، باب تحريش الشيطان … ح ٢٨١٢).
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.