للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورد في الكلب لا في الطير. وقال الشيخ أبو علي في "الإفصاح": إذا قلنا: يحرم ما أكل منه الكلب، ففي تحريم ما أكل منه الطير وجهان، وأنكر القاضي أبو الطيب هذا التفريع والترتيب لنص الشافعي ، على [التسوية] (١) بينهما، والله أعلم.

وأما المتردّية: فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال، فتموت بذلك، فلا تحل.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المتردّية التي تسقط من جبل (٢).

وقال قتادة: هي التي تتردى في بئر (٣).

وقال السدي: هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر (٤).

وأما النطيحة: فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها، فهي حرام وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها، والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة؛ أي: منطوحة، وأكثر ما ترد هذه البنية في كلام العرب بدون تاء التأنيث، فيقولون: عين كحيل، وكف خضيب، ولا يقولون: كف خضيبة، ولا عين كحيلة، وأما هذه فقال بعض النحاة: إنما استعمل فيها تاء التأنيث، لأنها أجريت مجرى الأسماء كما في قولهم: طريقة طويلة، وقال بعضهم: إنما أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة بخلاف عين كحيل وكف خضيب لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ أي: ما عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب، فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام وإن كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها، فلا تحل بالإجماع، وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك، فحرم الله ذلك على المؤمنين.

وقوله: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ يقول: إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه، فهو ذكي (٥)، وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والسدي.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي في الآية قال: إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها، فكل (٦).

وقال ابن جرير: حدثنا القاسم: حدثنا الحسين، حدثنا هشيم وعباد، قالا: حدثنا حجاج،


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "السوية".
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "التي تتردى من الجبل".
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت عن علي بن أبي طلحة به نحوه.
(٦) سنده حسن.