للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو داود أيضًا: حدثنا هارون بن زيد بن أبي [الزرقاء] (١)، حدثنا أبي، حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن حريث، قال: سمعت عكرمة يقول: إن رسول الله نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل، ثم قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس (٢)، تفرد به أيضًا.

قوله: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ وهي التي تموت بالخنق، إما قصدًا وإما اتفاقًا بأن تتخبل في وثاقتها، فتموت به فهي حرام، وأما (الموقوذة) فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت، كما قال ابن عباس وغير واحد: هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت (٣).

قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها (٤).

وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، قال: "إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله" (٥) ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمعراض ونحوه بحده، فأحله، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذًا لم يحله، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء.

واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله، ولم يجرحه على قولين، هما قولان للشافعي :

(أحدهما): لا يحل كما في السهم والجامع أن كلًا منها ميت بغير جرح فهو وقيذ.

(والثاني): إنه يحل لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ولم يستفصل، فدل على إباحة ما ذكرناه، لأنه قد دخل في العموم، [وقد قررت لهذه المسألة فصلًا فليكتب ههنا] (٦).

فصل: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما إذا أرسل كلبًا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه، أو صدمه: هل يحل أم لا؟ على قولين:

(أحدهما): أن ذلك حلال لعموم قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]، وكذا عمومات حديث عدي بن حاتم، وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي ، وصححه بعض المتأخرين منهم كالنووي والرافعي.

(قلت): وليس ذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر، فإنه قال في كلا الموضعين: يحتمل معنيين، ثم وجه كلًا منهما فحمل ذلك الأصحاب منه، فأطلقوا في المسألة قولين عنه، اللهم إلا أنه في بحثه حكايته للقول بالحلّ رشحه قليلًا، ولم يصرح بواحد منهما،


(١) كذا في (حم) و (مح) وسنن أبي داود، وفي الأصل: "الرقاشي" وهو تصحيف.
(٢) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الأطعمة، باب في طعام المتباريين ح ٣٧٥٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣١٩٣).
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق شعبة عن قتادة.
(٥) صحيح البخاري، البيوع، باب تفسير المشبهات (ح ٢٠٥٤)، وصحيح مسلم، الصيد، باب الصيد بالكلاب المعلمه (ح ١٩٢٩).
(٦) زيادة من (حم).