للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمسّ، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به، وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره؟ وفي الصحيحين أن رسول الله قال: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام" (١). وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم: نهانا عن الميتة والدم.

وقوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ أي: ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع. وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية إما عمدًا أو نسيانًا كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام (٢).

وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: نزل آدم بتحريم أربع ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾، وإن هذه الأربعة الأشياء لم تحل قط، ولم تزل حرامًا منذ خلق الله السموات والأرض، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم، فلما بعث الله عيسى ابن مريم نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم وأحل لهم ما سوى ذلك، فكذبوه وعصوه (٣). وهذا أثر غريب.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا ربعي، عن عبد الله، قال: سمعت الجارود بن أبي سبرة، قال: هو جدي، قال: كان رجل من بني رباح يقال له ابن وثيل، وكان شاعرًا، نافرًا (٤) - غالبًا - أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء، فلما وردت الماء قاما إليها بسيفيهما فجعلا يكسفان (٥) عراقيبها، قال: فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم، قال: وعلي بالكوفة، قال: فخرج علي على بلغة رسول الله البيضاء وهو ينادي: يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها، فإنها أهل بها لغير الله (٦).

هذا أثر غريب، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا حماد بن [مسعدة] (٧) عن عوف، عن أبي ريحانة، عن ابن عباس، قال: نهى رسول الله عن معاقرة الأعراب، ثم قال أبو داود: محمد بن جعفر: هو غندر، أوقفه على ابن عباس (٨)، تفرد به أبو داود.


(١) صحيح البخاري، البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (ح ٢٢٣٦)، وصحيح مسلم، البيوع، باب تحريم بيع الخمر والميتة … (ح ١٥٨١).
(٢) آية ١٢١.
(٣) في سنده نعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيرًا ولم يتابع، فسنده ضعيف.
(٤) نافر أي: فاخر.
(٥) يكسفان أي: يقطعان.
(٦) سنده حسن.
(٧) كذا في (حم) و (مح) وسنن أبي داود، وفي الأصل: "سعد" وهو تصحيف.
(٨) سنن أبي داود، الأضاحي، باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب (ح. ٢٨٢)، وقال الألباني: حسن صحيح، (صحيح سنن أبي داود ح ٢٤٤٦).