للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا جزم به، والقول بذلك - أعني الحلّ - نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة من رواية الحسن بن زياد عنه، ولم يذكر غير ذلك. وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيره عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر، وهذا غريب جدًّا، وليس يوجد ذلك مصرحًا به عنهم، إلا أنه من تصرفه ورضي عنه.

(والقول الثاني): أن ذلك لا يحل، وهو أحد القولين عن الشافعي واختاره المزني، ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضًا، والله أعلم. ورواه أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة، وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل ، وهذا القول أشبه بالصواب، والله أعلم، لأنه أجرى على القواعد الأصولية وأمشى على الأصول الشرعية، واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خديج، قلت: يا رسول الله، إنا ملاقوا العدو غدًا، وليس معنا مُدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه" الحديث بتمامه (١)، وهو في الصحيحين. وهذا وإن كان واردًا على سبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع، كما سئل عن البتع - وهو نبيذ العسل -، فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" (٢)، أفيقول فقيه: إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل، [وهكذا] (٣) هذا، كما سألوه عن شيء من الذكاة، فقال لهم كلامًا عامًا يشمل ذاك المسؤول عنه وغيره لأنه كان قد أوتي جوامع الكلم، إذا تقرر هذا، فما صدمه الكلب أو غمّه بثقله ليس مما أنهر دمه، فلا يحل لمفهوم هذا الحديث، فإن قيل: هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء، لأنهم إنما سألوه عن الآلة التي يذكى بها، ولم يسألوه عن الشيء الذي يذكى، ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر حيث قال: "ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة" (٤) والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه، وإلا لم يكن متصلًا، فدل على أن المسؤول عنه هو الآلة، فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم، فالجواب عن هذا بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضًا، حيث يقول: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه"، ولم يقل: فاذبحوا به، فهذا يؤخذ منه الحكمان معًا، يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها، وحكم المُذكى وأنه لا بدّ من إنهار دمه بآلة ليست سنًا ولا ظفرًا، هذا مسلك.

(والمسلك الثاني): طريقة المزني، وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعرضه فلا تأكل، وإن خزق فكل، والكلب جاء مطلقًا، فيحمل على ما قيد هناك من الخَزق لأنهما اشتركا في الموجب وهو الصيد فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل، بل هذا أولى، وهذا يتوجه له على من يسلّم له أصل هذه


(١) صحيح البخاري، الشركة، باب قسمة الغنم (ح ٢٤٨٨)، وصحيح مسلم، الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم … (ح ١٩٦٨).
(٢) صحيح البخاري، الوضوء، باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر (ح ٢٤٢)، وصحيح مسلم، الأشربة، باب بيان إن كل مسكر خمر … (ح ٢٠٠١).
(٣) زيادة من (حم).
(٤) هذا الحديث تتمة لحديث رافع المذكور قبل الحديث السابق.