للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦)﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني أنهم رموها بالزنا (١)، وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد (٢)، وهو ظاهر من الآية، أنهم رموها وابنها بالعظائم، فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك، زاد بعضهم: وهي حائض فعليهم لعائن الله [المتتابعة] (٣) إلى يوم القيامة.

وقولهم: ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ أي: هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء، كقول المشركين: ﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)[الحجر: ٦] وكان من خبر اليهود، عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه، أنه لما بعث الله عيسى بن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصور من الطين طائرًا، ثم ينفخ فيه، فيكون طائرًا يشاهد طيرانه بإذن الله ﷿، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم حتَّى جعل نبي الله عيسى ، لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما الصلاة والسلام، ثم لم يقنعهم ذلك، حتَّى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان، وكان رجلًا مشركًا من عبدة الطاغوت والكواكب، وكان يقال لأهل ملته: اليونان، وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلًا يفتن الناس ويضلهم، ويفسد على الملك رعاياه، فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالمقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه عن الناس، فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى ، وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر، وقيل: [سبعة عشر] (٤) نفرًا، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك. فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم، قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة، وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقى الله عليه شبه عيسى حتَّى كأنه هو، وفتحت روزنة من سقف البيت، وأخذت عيسى سنة من النوم، فرفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ٥٥].

فلما رفع خرج أولئك النفر، فلما رأى أولئك ذلك الشاب، ظنوا أنه عيسى، فأخذوه في الليل وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه، وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى، ذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ما عدا من كان في البيت مع المسيح،


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٢) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول جويبر أخرجه الطبري بسند حسن من طريق يعلى بن عبيد عنه.
(٣) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "التابعة" وهو تصحيف.
(٤) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "ستة عشر".