للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدخلوا باب بيت القدس سجدًا وهم يقولون: حطة؛ أي: اللّهم حطّ عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه، حتَّى تهنا في التيه أربعين سنة، فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حنطة في شعرة ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ أي: وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم، ما دام مشروعًا لهم ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ أي: شديدًا، فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله ﷿، كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ....... ﴾ الآيات [الأعراف: ١٦٣] وسيأتي حديث صفوان بن عسال في سورة سبحان عند قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] وفيه: وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت.

﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)﴾.

وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم، وكفرهم بآيات الله؛ أي: حججه وبراهينه، والمعجزات التي شاهدوها على يدي الأنبياء ، قوله: ﴿وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جمعًا غفيرًا من الأنبياء . وقولهم: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ قال ابن عَبَّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة وغير واحد: أي في غطاء (١).

وهذا كقول المشركين ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)[فصلت]، وقيل: معناه أنهم ادعوا أن قلوبهم غلف للعلم؛ أي: أوعية للعلم قد حوته وحصلته، رواه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس (٢)، وقد تقدم نظيره في سورة البقرة (٣)، قال الله تعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ فعلى القول الأول كأنهم يعتذرون إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول، لأنها في غلف وفي أكنّة، قال الله: بل هي مطبوع عليها بكفرهم، وعلى القول الثاني: عكس عليهم ما ادعوه من كل وجه، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: مردت قلوبهم على الكفر والطغيان، وقلة الإيمان.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن كثير عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق معمر عنه، وقول سعيد بن جبير وعكرمة ذكرهما ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٢) سنده ضعيف لأن الكلبي صرّح أن كل ما رواه عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب.
(٣) آية ٨٨.