للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جرير أيضًا (١).

وقوله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ قال بعض الناس: قوله: ﴿فَوْقَ﴾ زائدة، وتقديره فإن كن نساء اثنتين، كما في قوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾ [الأنفال: ١٢] وهذا غير مسلم لا هنا ولا هناك. فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه، وهذا ممتنع، ثم قوله: ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ لو كان المراد ما قالوه لقال: فلهما ثلث ما ترك وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين. وإذا ورثت الأختان الثلثين فلأن ترث البنتان الثلثين بالطريق الأولى والأحرى. وقد تقدم في حديث جابر أن النبي ، حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين، فدل الكتاب والسنة على ذلك، وأيضًا فإنه قال: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ فلو كان للبنتين النصف لنصّ عليه أيضًا، فلما حكم به للواحدة على انفرادها، دل على أن البنتين في حكم الثلاث، والله أعلم. وقوله تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ (٢)، الأبوان لهما في الإرث أحوال:

(أحدها): أن يجتمعا مع الأولاد فيفرض لكل واحد منهما السدس، فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة، فرض لها النصف، وللأبوين لكل واحد منهما السدس وأخذ الأب السدس الآخر [بالتعصيب] (٣)، فيجمع له والحالة هذه بين الفرض والتعصيب.

الحال الثاني: أن ينفرد الأبوان بالميراث، فيفرض للأم والحالة هذه الثلث، ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض، ويكون قد أخذ ضعفي ما حصل للأُم، وهو الثلثان، فلو كان معهما - والحالة هذه - زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف والزوجة الربع.

ثم اختلف العلماء ماذا تأخذ الأُم بعد فرض الزوج والزوجة، على ثلاثة أقوال:

(أحدها): أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين، لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما. وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب. فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ الأب ثلثيه، هذا قول عمر وعثمان، [وأصح الروايتين] (٤) عن علي، وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور العلماء.

(والقول الثاني): أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ فإن الآية أعمّ من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا، وهو قول ابن عباس. وروي عن علي ومعاذ بن جبل نحوه. وبه يقول شريح وداود الظاهري. واختاره أبو الحسين محمد بن عبد الله بن اللبان البصري في كتابه (الإيجاز في علم الفرائض) وهذا فيه نظر، بل هو ضعيف، لأن ظاهر الآية إنما هو إذا استبد بجميع التركة، وأما في هذه المسألة فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ويبقى الباقي كأنه جميع التركة فتأخذ ثلثه كما تقدم.


(١) أخرجاه في تفسيريهما وسنده ضعيف.
(٢) تقدم في بداية تفسير الآية نفسها.
(٣) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٤) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "في الروايتين".