للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسبب الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات، ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة، ولكن ذكرنا الحديث ههنا تبعًا للبخاري فإنه ذكره ههنا، والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية، والله أعلم.

فقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ أي: يأمركم بالعدل فيهم، فإن أهل الجاهلية كانوا [يجعلون جميع الميراث للذكور] (١) دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، [وفاوت] (٢) بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤونة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى، وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبين ولدها، فجعلت تدور على ولدها، فلما وجدته أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته. فقال رسول الله لأصحابه: "أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك "؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها" (٣).

وقال البخاري ههنا: حدثنا محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث، وجعل للزوجة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع (٤).

وقال العوفي، عن ابن عباس قوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وذلك لما أنزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم وقال: تعطى المرأة الربع أو الثمن، وتعطى البنت النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يحوز الغنيمة، اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله ينساه، أو نقول له فيغير، فقال بعضهم: يا رسول الله تُعطى الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ويعطى الصبي الميراث وليس يغني شيئًا وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر. رواه ابن أبي حاتم وابن


= ميراث البنات (ح ٢٠٩٢)، وسنن ابن ماجه، الفرائض، باب فرائض الصلب (ح ٢٧٢٠)، وصححه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢١٩٩).
(١) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "يعطون جميع الميراث للذكر" وكلاهما صحيح.
(٢) في الأصل: "قارب" وهو تصحيف والتصويب من (ح) و (حم) و (مح).
(٣) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب (صحيح البخاري، الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ح ٥٩٩٩)، وصحيح مسلم، التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى (ح ٢٧٥٤).
(٤) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] ح ٤٥٧٨)، وسنده مسلسل بالمفسرين.