للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاصله أن معنى الآية عنده ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ أي: وإذا حضر قسمة مال الوصية أولو قرابة الميت ﴿فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا﴾ لليتامى والمساكين إذا حضروا ﴿قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتكرار، وفيه نظر، والله أعلم.

وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ هي قسمة الميراث (١)، وهكذا قال غير واحد، والمعنى على هذا لا على ما سلكه أبو جعفر بن جرير ، بل المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون لا شيء يعطونه، فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برًا بهم وصدقة عليهم، وإحسانًا إليهم وجبرًا لكسرهم. كما قال الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وذمّ الذين يستغلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة. كما أخبر عن أصحاب الجنة ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧] أي: بليل. وقال: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)[القلم] فـ ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد: ١٠] فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه، ولهذا جاء في الحديث "ما خالطت الصدقة مالًا إلا أفسدته" (٢)، أي: منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية.

وقوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩)﴾. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب. فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة (٣)، وهكذا قال مجاهد وغير واحد (٤).

وثبت في الصحيحين أن رسول الله لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده، قال: يا رسول الله، إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا". قال: فالشطر؟ قال: "لا". قال: فالثلث؟ قال: "الثلث، والثلث كثير". ثم قال رسول الله : "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" (٥) [وفي الصحيح عن ابن عباس قال: لو أن الناس] (٦) غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله قال: "الثلث، والثلث كثير" (٧).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن عطية العوفي به.
(٢) أخرجه الحميدي (المسند ح ٢٣٧)، والبزار (كشف الأستار ح ٨٨١)، والبيهقي (السنن الكبرى ٤/ ١٥٩)، كلهم من طريق محمد بن عثمان الجمحي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. ومحمد بن عثمان ضعيف (التقريب ص ٤٩٦).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بنحوه بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه.
(٥) صحيح البخاري، الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس (ح ٢٧٤٢)، وصحيح مسلم، الوصية، باب الوصية بالثلث (ح ١٦٢٨).
(٦) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٧) صحيح البخاري، الوصايا، باب الوصية بالثلث (ح ٢٧٤٣)، وصحيح مسلم، الباب السابق (ح ١٦٢٩).