للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء، استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث، [وإن كانوا فقراء] (١) استحب أن ينقص الثلث، وقيل: المراد بقوله تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [النساء: ٦]، حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس (٢)، وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلمًا، فأولًا رغبهم، أي: كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك، فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم، ثم أعلمهم أن من أكل مال اليتيم ظلمًا، فإنما يأكل في بطنه نارًا ولهذا قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)﴾ أي: إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون نارًا تتأجج في بطونهم يوم القيامة.

وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" (٣) قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (٤).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبيدة، أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العَمّي، حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: "انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل منهم له مشفران (٥) كمشفر البعير، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في فيّ أحدهم حتى يخرج من أسفله، ولهم خوار (٦) وصراخ، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا، إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا" (٧).

وقال السدي: يبعث أكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه كل من راه بأكل مال اليتيم (٨).

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا زياد بن المنذر، عن نافع بن الحارث، عن أبي برزة أن رسول الله قال: "يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارًا" قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: "ألم تر أن الله قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ


(١) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "وإن كان فقيرًا".
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف لضعف العوفي.
(٣) الموبقات أي: المهلكات.
(٤) صحيح البخاري، الوصايا، باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)﴾ [النساء] (ح ٢٧٦٦)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (ح ٨٩).
(٥) أي شفتان (القاموس المحيط، باب: ش ف هـ).
(٦) جؤار: أي رفع الصوت والاستغاثة (النهاية ١/ ٢٣٢).
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب أبي هارون العبدي وهو: عمارة بن جوين متروك ومنهم من كذبه (التقريب ٢/ ٤٩).
(٨) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط بن نصر عن السدي.