للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي ، أنه قال: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكنَّ أكثر أهل النار"، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ منكن" قالت: يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان عقلها، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين" (١).

وقوله: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود، وهذا مقيد حكم به الشافعي على كل مطلق في القرآن من الأمر بالإشهاد من غير اشتراط وقد استدل من ردَّ المستور بهذه الآية الدالَّة على أن يكون الشاهد عدلًا مرضيًا. وقوله: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ يعني: المرأتين إذا نسيت الشهادة ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ أي: يحصل لها ذكر بما وقع به من الإشهاد، وبهذا قرأ آخرون فتذكر بالتشديد من التذكار، ومن قال: إن شهادتها معها تجعلها كشهادة ذكر، فقد أبعد. والصحيح الأول، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ قيل: معناه إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة، وهو قول قتادة والربيع بن أنس (٢). وهذا كقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ ومن ههنا استفيد أن تحمل الشهادة فرض كفاية، وقيل مذهب الجمهور، والمراد بقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ للأداء، لحقيقة قوله الشهداء، والشاهد حقيقة فيمن تحمل، فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية، والله أعلم.

وقال مجاهد وأبو مِجلز وغير واحد: إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار، وإذا شهدت فدعيت فأجب (٣). وقد ثبت في صحيح مسلم والسنن من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد، أن رسول الله ، قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" (٤)، فأما الحديث الآخر في الصحيحين: "ألا أخبركم بشر الشهداء؟ الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا" وكذا قوله: "ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وتسبق شهادتهم أيمانهم" (٥) وفي رواية: "ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون" (٦) وهؤلاء شهود الزور، وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري أنها تعمُّ الحالين التحمل، والأداء.

وقوله: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ هذا من تمام الإرشاد وهو الأمر


(١) صحيح مسلم، الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (ح ٧٩).
(٢) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه بنحوه، وقول الربيع بن أنس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن بلفظ: "فكان هذا واجبًا".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق جابر الجعفي عن مجاهد والشعبي بنحوه.
(٤) صحيح مسلم، الأقضية (ح ١٧١٩).
(٥) صحيح مسلم، فضائل الصحابة، فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (ح ٢٥٣٣).
(٦) صحيح البخاري، الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا (ح ٦٤٢٨)، وصحيح مسلم، الباب السابق (ح ٣٥٣٥).