للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفى بالله كفيلًا، فرضي بذلك وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بذلك وإني قد جهدت أن أجد مركبًا أبعث بها إليه بالذي أعطاني فلم أجد مركبًا وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبًا إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلَّ مركبًا يجيئه بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما كسرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه، فأتاه بألف دينار وقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: ألم أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه؟ قال: فإن الله قد أدّى عنك الذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بألفك راشدًا (١). وهذا إسناد صحيح وقد رواه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه معلقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال الليث بن سعد … فذكره (٢)، ويقال: إنه في بعضها عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه.

وقوله: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ أي: بالقسط والحق ولا يجر في كتابته على أحد، ولا يكتب إلا ما اتفقوا عليه من غير زيادة ولا نقصان. وقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ أي: ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرورة عليه في ذلك، فكما علمه الله ما لم يكن يعلم، فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب، كما جاء في الحديث: "إن من الصدقة أن تعين ضائعًا أو تصنع لأخرق" (٣) وفي الحديث الآخر: "من كتم علمًا يعلمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" (٤).

قال مجاهد وعطاء: واجب على الكاتب أن يكتب (٥).

وقوله: ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ أي: وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين وليتق الله في ذلك ﴿وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ أي: صغيرًا، أو مجنونًا ﴿أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ محجورًا عليه بتبذير ونحوه: ﴿أَوْ ضَعِيفًا﴾ أي: صغيرًا، أو مجنونًا ﴿أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ﴾ إما لعي أو جهل بموضع صواب ذلك من خطئه ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾.

وقوله: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ أمر بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ وهذا إنما يكون في الأموال، وما يقصد به المال، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة، كما قال مسلم في صحيحه: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩)، وصحح إسناده الحافظ ابن كثير.
(٢) صحيح البخاري، الكفالة، باب الكفالة في القرض ٢٢٩١.
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي ذر، العتق، باب أي الرقاب أفضل؟ (ح ٢٥١٨)، ومسلم في صحيحه، الإيمان، بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (ح ٨٤) بلفظ: "تعين صانعًا"، وقد رجحه الدارقطني (ينظر: فتح الباري ٥/ ١٤٩).
(٤) أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ: "من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار يوم القيامة" وصححه محققوه (المسند ١٣/ ١٨ ح ٧٥٧١).
(٥) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقول عطاء أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن جريج.