للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكتابة الحق صغيرًا كان أو كبيرًا، فقال: ولا تسأموا أي تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله، وقوله: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ أي: هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلًا هو أقسط عند الله، أي أعدل وأقوم للشهادة، أي أثبت للشاهد إذا وضع خطه لم رآه تذكر به الشهادة، لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه، كما هو الواقع غالبًا ﴿وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ وأقرب إلى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة.

وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ أي: إذا كان البيع بالحاضر يدًا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها.

فأما الإشهاد على البيع، فقد قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكر، حدثني ابن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ يعني: أشهدوا على حقكم إذا كان في أجل أو لم يكن فيه أجل، فأشِهدوا على حقكم على كلِّ حال (١). قال: وروي عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاء والضحاك نحو ذلك (٢).

وقال الشعبي والحسن: هذا الأمر منسوخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].

وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب لا على الوجوب، والدليل على ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري، وقد رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي . أن النبي ، ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي ، فنادى الأعرابي النبي ، فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته، فقال النبي حين سمع نداء الأعرابي، قال: أوليس قد ابتعته منك؟ قال الأعرابي: لا والله ما بعتك، فقال النبي : "بل قد ابتعته منك" (٣) فطفق الناس يلوذون بالنبي ، والأعرابي، وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك، فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك إن النبي لم يكن يقول إلا حقًّا حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي يقول: هلمَّ شهيدًا يشهد أني بايعتك، قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي على خزيمة، فقال: "بمَ تشهد"؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله ، فجعل رسول الله شهادة خزيمة بشهادة رجلين (٤). وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيدي،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده مختصرًا، وسنده حسن.
(٢) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف السند.
(٣) قول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح، وقول الشعبي ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٢١٥ - ٢١٦)، وسنده ثابت.