للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

ما يشبهه إِنْ وُجِد - من فترة التأسيس، فلا يصح البتة محاكمة ما فيه إلّا إلى ما يُناظره ويماثله على مستوى البِنْية والدّلالة. ودعانا إلى هذا التحديد المنهجي - وإنْ لم نفْلح في طَرْدِه لصُعُوبته البالغة - محاولة استشراف أنماط تفكير محدّثي الْقرْن الثالث، ومشامة القضايا التي أسهمت في بناء أحكامهم، عَقَديّةً كانتْ أم فِكْرانية (١) أمْ صناعيّة. وليس هذا حَاشَ الله طَمْراً للتراكم العلمي الخطير عند المتأخرين ولا إغفالاً له، ولكنه قصد إلى التشبع بروح هاته النصوص يوْمَ أنْ أُنتجتْ، بالانفكاك «المؤقت» (٢) عن سلطة القراءات المتأخّرة، فإنّ تسليط أحكام «التقريب» للمثال اعتسافا على رواة هذا الجزء، مُذهب بالكلية للفائدة المرجوة منه؛ لأنّنا نهدرُ بذلك فرصة الاستغلال والاستقلال الْعِلْمي في معرفة أصولِ وحيثيات ودلائل تبني مثل هذه الأحكام عند ناقد عظيم جهبذ كالحافظ ابن حجر ، ومثْلُ هذا هو الذي جَعَلَ الجانب النقدي في علم الحديث ضامراً أشدّ ما يكونُ الضمور، فَإِنْ رَجَوْنَا مِنَ الكتاب أنْ يدلّنا على مَسَالكِ أولئك، فلا تذهب بكَ الظنون في غَيْرِ ذلك.

وإنّي أبرأ إلى الله جلت قدرته وتعالى اسْمُهُ أنْ أقَعَ في إمام في الحديث أو مُنْتَسِب إليه عامداً، إلّا ما زاغَ به القلمُ ولم أقصد إليه، فإنّ الكلام في حملة شريعةِ رسولِ الله شديد، وعُقْباهُ وَخيمةٌ، ونحْنُ إِنْ كان لنا شأن - ولا إخالُهُ - فَبِشَرَفِ انتسابنا إليهم، وإصحارنا عن فضلهم، «نعوذُ بالله من الْحَوْرِ بعد الْكَوْرِ».

هذا، ومن اشتغل بالحديث اليوْم لَقِيَ الألاقي، لقلة عَصَبَته، وفُقْدانِ المذاكرة فيه، وضعْفِ الْغَنَاء في تعاطيه، وتأخر القداح الفهم للمُنْخِرِطِ فيه إلا بعد رَدْحٍ، لارتكازه على النسيئة فلا يُنتجُ للتّوّ، فإن ظفرْتَ فيه بعد هذا بمنْ يرْفعُ عنكَ سامَةَ الوُحْدان، وترقيْتَ معه في أطوار البحث، خشي أنْ يكونَ


(١) مصطلح نحته أ. د. طه عبد الرحمن.
(٢) هذا احتراز لازم.

<<  <   >  >>