للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: غير واحدٍ؛ أَظنّ منهم عبد الواحد بن زياد…» (١).

والجمْعُ بين هاته المواقف ممكن، لوْ عَدَدْنا بينها تراخيا في الزمن، فكلّ منْ أولئك، وصَفَ حقيقة أمر الرّاوي في حينه، فيُحْمَلُ كلامُ القطان عند مُباحثته حديثَ الْأعْمش مع عبد الواحد، على أوّلِ الْعهد له بالرّواية، ويُحْملُ كلام أبي داود عن تدليسه حين صلح حاله فيها وترقى في المعرفة والْوَثَاقة، ويُحْمَلُ مؤقف ابْن مهدي على حين استحق أن يكون «ممن يزداد خيْراً»، فيحوّل من الضعفاء إلى الثّقات، وفيه إبطال لموقف يحيى. وفي العبارة أعلاه، تنصيص واضح على علة الرجوع النقدي، فإنّه عبر بصيغة المضارع المفيدة لاستزادته من الخير ودَوَامِهِ عليْه. ولا يُقال: إنّ هاته العبارة ليست نصا في محلّ النّزاع؛ لأنّها حكم قيميّ لا علاقة له بالرّواية؛ لأنّا نقول: إنّ فيها إشعاراً للمتلقي الافتراضي بعلم المُرْسِل بأحكام النقاد السابقين عليه، فلذلك لم يقل «إنّ فيه خيراً»، ولا «كان فيه خير»، لما فيها من الْعُدُول عن التصريح، المناسب لبقاء ما كان على ما كان ـ أي: في الضّعْف - فلا تفيد ترقيا في الحال، فاختياره إذاً للعبارة مقصود كما تنتجه أساليب العربية.

وبقي أنّ عبارة ابن مهدي في ابن زياد قد تُحمل - خلاف ما مرّ ـ على الصلاح والعبادة.

مصطلح «الثّقة» عند ابن مهدي اعتباري لا يُمْكِنُ طَرْدُه:

قال الفلاس: «… سمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَن بْنَ مُهْدي… يقول: حدثنا أبو

خلْدَةَ، عن أبي الْعَالية…؛ فقال له رجلٌ: أكان ثقةً؟ قال: كان صدوقاً،

وكان خياراً، وكان مأموناً، الثقة: شعبةُ وسُفْيانُ» (٢).

ومنْ نَقَدَات ابن عبد البَرّ قَوْلُه عَقِيبَه: «هذا لا معنى له في اختيار

الألفاظ، والتأويل فيها على الهوى» (٣). وقال الباجي: «وإنّما أراد


(١) العلل ومعرفة الرجال: ٣/ ١٢٢؛ ر: ٤٥٢٠. قلت: وما أظنّ ظنّ الإمام أحمد إلا خارجاً عن بابه.
(٢) العلل: ر: ١٧٦.
(٣) الاستغنا: ١/ ٦٠١؛ ر: ٦٦٥.

<<  <   >  >>